أزمة واقع أم أزمة تفكير؟!



في خضم الهجمات الشرسة التي تستهدف وجود الإنسان المسلم وهويته وقيمه وأسس مبادئه، يصبح استقراء واقع المرأة المسلمة ومكانتها في مجتمعاتنا الإسلامية ضرورياً وملحاً، لأنه جزء مهم من الواقع الذي نتخبط فيه.


والناظر لأحوال المرأة المسلمة اليوم، سواء كانت متعلمة أو أمية، غنية أو فقيرة، بدوية أو حضرية، يرى أنها تعيش واقعاً مزرياً في معظم الأحيان، إلا من رحم الله.. وإذا حاولنا تقصي ذلك ورصده نجد أنه ينبع بالأساس من عدم وعيها واستعمال عقلها في ما يصون كرامتها وشخصيتها وحقوقها، وما يكفل لها إنسانيتها بالدرجة الأولى، أي أنها تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية عن الواقع الذي ترزح تحت وطأته، بغض النظر عن الظروف المعيشية والمادية التي يمكن أن تفرض عليها هذا الواقـع، والتي بإمكانـها التغلب عليها أو السيطرة على قسوتها، أو رخائها، إذا اكتسبت شروط الوعي بالإيمان الحقيقي وبمقومات العمل الصالح
.

ويرجع عدم وعيها إلى أنها فرضت على نفسها، أوفُرض عليها، أن تعيش في ظل أزمة تفكير مزمنة، استسلمت فيها لمختلف مواقف الجمود والتخلف أو التمييع والانحلال، وأسلمت قيادها لجاهليتين تقودها بعيداً عن درب الله تعالى ، جاهلية التقليد الأعمى أو جاهلية التغريب، فإما نجدها ترسف في أغلال تراكمات سنين طويلة من الجهل والتهميش والغياب، أو ترسف في أغلال الفكر التغريبـي الذي يستنـزف طاقاتها، إما بالتركيز على انحناءات الجسد والانشغال المسـتمر بمواطن الجمال فيه وإبرازه، وإما بخوض قضايا لا تمس جوهر قضيتها وواقعها( )، الأمر الذي أدى إلى فرض واقع مزيف وميهيمن، بعيد كل البعد عن الواقع ، وسـلوكيات السلف
eالحقيقي الذي بسطت معالمه الشريعة الربانية وسيـرة النبي  الصالح، لأنه واقع يتغذى من مفاهيم وتصورات معينة أسقطتها في التخبط في ظل أزمة التفكير التي أشرنا إليها، وتتجلى مظاهر هذه الأزمة في سلوكياتها وممارساتها، ابتداءً من اختيارها لزوجها وتربية أولادها، وانتهاءً بالانغماس في علاقات منحرفة واتخاذ قرارات اجتماعية معينة.

ويمكن حصر المفاهيم والتصورات التي تحدد واقع المرأة المعاصرة في ثلاثة مفاهيم:

1- مفهوم ينبع من التصور الشعبي الخرافي للدين مع معلومات ناقصة ومغلوطة عن أحكامه، وما يتبع ذلك من استكبار وسقوط في الشرك، في بعض الأحيان، أي أن وضعية المرأة في ظل هذا المفهوم تتحدد بالعادات والتقاليد الموجودة في المجتمع دون محاولة وضعها في محك الضوابط الشرعية والقواعد التفسيرية الموحدة. وغالباً ما يكون ذلك بحسن نية، بل قد يكون باعتزاز وتبجح وإصرار على أن هذا المفهوم هو التصور الصحيح للإسلام.

ومن أبرز السلوكيات التي تتجلى عند أصحاب هذا المفهوم ارتباطهم الوثيق بالتحليل الخرافي للدين، ونجد المرأة ترتبط بهذه الدائرة ولا تحاول الخروج منها، وكل ممارساتها وسلوكياتها وعلاقاتها متساوقة معها، وتعتبر ما عندها من معلومات ناقصة مستمدة من هنا أو هناك أو بالوراثة كافية لاسـتيعاب دينها وتطبيقه في واقعها، ناسية أن ممارسـة التدين الحقيقي لن يتم عـلى وجهـه الأكمل إلا بالتفقه في المصادر الشرعـية: القرآن الكريـم والسنة النبوية الشريفة، وكل اجتهاد بعد ذلك يؤخذ منها ويترك حسب ظروف الواقع المعيش، فتسقط في تأدية العبادات تأدية آلية مقلدة ما وجدت عليه آباءها.. ويؤدي جهلها بأحكام الإسلام إلى تصرفات واتخاذ مواقـف منافية للشريعة.
ويمكن أن نأتي بصور عديدة لوضعية المرأة المتقوقعة في إطار هذا المفهوم، منها: التجاؤها إلى السحر والشعوذة في تصريف الأمور الصعبة التي تواجهها من مثل العنوسة، أو عدم الإنجاب، أو محاولة تطويع الرجل لرغباتها.. ومنها الخضوع المذل للتقاليد والعادات المستشرية في المجتمع، كبعض تقاليد الزواج مثلاً، وغير ذلك من الممارسات والسلوكيات التي تسقطها أكثر في الشرك والجهل والتخلف، كما تزيد من تعميق الاختلال الناتج عن عدم التوازن بين قانون التطور والواقع وبين ما تعتقده من عقيدة تواكلية محرفة.


2- مفهوم يعتبر الدين سـلوكاً شخصـياً بيـن المرء وربه، ولا علاقة له بضبط الحياة وتنظيمها وفق القانون الرباني، وهذا المفهوم يتبنى الفكر الغربي الذي يفصل بين الدين والحياة، ويعتبر التدين ظاهرة اجتماعـية تقوم على الوهم وتعبر عن وعي زائف، كما ينظر إليه بوصفه وسيلة لإضفاء الشرعية على الواقع القائم، ويفرض على المرأة (والرجل أيضاً) أن تمارس حياتها في معزل عن الدين وأحكامه، على أن ما لله فهو لله، وما لقيصر فهو لقيصر، وأن اتباع النموذج الغربي هو السبيل للخروج من واقع التخلف والجهل. لكن مثل هذه التبعية تجعلها تنخرط في واقع أشد خطورة وأكثر فتكاً، يحولها من موقعها الذي كانت فيه مجرد عقل مهجور وجسد متخصص في التفريخ إلى موقع أشد فتكاً بها، يتاجر بجسدها، ويستغل حاجتها لترويج بضاعته، أو لاستخدامها في الكسب المادي، وهذه المرأة في معظم الأحيان لا تنكر أنها تنتمي إلى الإسلام، بل قد تمارس بعض الشعائر وخاصة في المناسبات الدينية، أي أنها لا تجاهر بمروقها عن الدين وإنما تغلف ذلك باسم الحضارة والتقدم والتحرر، وتعتبر أن علاقتها مع ربها شأن شخصي بينها وبينه، لتكرس بذلك الفهم السلبـي للدين، الذي لا يرى فيه سـوى طقوس وعبادات لها أهداف فردية لا علاقة لها بالمجتمع أو تنظيمه أو تنظيم علاقاته، متناسية قولـه تعالى
: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَـٰبِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىٌ فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدّ ٱلّعَذَابِ)) (البقرة:85)، فتقع في ازدواجية الفكر والشخصية، التي يعاني منها معظم المثقفين، نساء ورجالاً، الذين لم يستطيعوا أن يحصنوا أنفسهم بثقافتهم الإسلامية، وتسقط، كما يسقطون، في هوة التنكر للهوية الحضارية، لينعكس ذلك كله على ممارسـتها الحياتية في الواقع، ويخل بتوازنـها الذي قد يدخلها - والعياذ بالله - في دائرة الفسق المقابل للإيمان، كما في قول الله تعالى: (( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ )) (السجدة:18-20). 


والمرأة كلما اقتربت وانغمست في حمأة هذا المفهوم التغريبـي فإنها تسعى حثيثاً نحو دائرة الفسق، والعياذ بالله، لأنها تعمل على تعطيل الشريعة في الحياة وتهميش أحكامها، مما يؤدي إلى إعاقة دورها الحضاري الحقيقي الذي يجب أن تمارسه بوصفها امرأة مثقفة.. وتظل تدور في حلقات مفرغة من الاستغلال والتشييء والعنف والعنف المضاد، وفي مجتمعاتنا نماذج متعددة تقدم صوراً مختلفة عن وضعية المرأة نتجت عن هذا المفهوم لا مجال فيها للاحترام أو المساواة التي كثر المناداة بها، بل قد لا ترى ذرة من التحرر الذي من أجـله قامت الحركات النسـائية التحررية في هذه الوضعية، وإنما عبوديات في أشكال مختلفة وبمسميات شتى، أغلبها تنصب على جسدها لتجميله وتقديمه لكل ناظر، ومعظم، بل ربما الإنتاجات كلها التي قدمت في إطاره، سواء في ميدان الفن أو الأدب أو التجارة أو غير ذلك، تصب في ميدان صناعة الجسد وفرض حضوره بشكل مقزز ومهين للمرأة المعتزة بأنوثتها وإنسانيتها.
وهذا الواقع، الذي يفرزه هذا المفهوم، تعيش فيه المرأة (والرجل) مصابة بالاستلاب والتمزق والعقم، وتمارس الدين بصورة مجزأة بشكل يفصل بين المقاصد والغايات والأحكام الشرعية وحدودها، الأمر الذي يفقد الشعور الديني فعاليته، وتتحول الممارسات الدينية إلى مجرد طقوس وعادات وليس قوة فاعلة ومحركة لبناء توازن حقيقي بين الذات والواقع المتطور.

وفي كلا المفهومين (الأول والثاني) يتعطل الفكر، ويعيش في تبعية مطلقة، إما لما توارثناه من عادات وتقاليد تلصق بالدين وهو منها بريء، أو ممارسات ومواقف مستمدة من الفهم المبتور لعقيدتنا ولنصوص شرعية فهمت خطأ على غير حقيقتها، وإما لكل ما يأتينا من الضفة الأخرى دون تمييز أو فرز، فتنبذ المرأة كل ما يمت بصلة لجذورها وحقيقة وجودها، وتعيش ازدواجية فكرية وفصاماً أخلاقياً يقومان عائقاً في وجه أي تغيير أو تقدم أو رقي تتطلع إليه، ويصبح الدين وكأنه مجموعـة من الإكراهات يواظب عليها المسلم بدون روح أو شعور بطمأنينة وسـلام، ولعل هذا ما أشـار إلى جانب منه ابن عباس رضي الله عنـهما في حـديث موقوف عـليه: «من لم تأمره صلاته بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعداً» وربما كان هذا تفسيراً لامتلاء المساجد بالمصلين وفي الوقت نفسه ازدياد عدد الساقطيـن في أحضان المعاصي والسيئات بجرأة ولا مبالاة بلدت الحس والشـعور، وقوقعـت الأمـة في أسفل الركب الحضاري.


وهناك مفهوم ثالث يجاهد للخروج من هذه الأزمة يصيب أحياناً ويقع في الخطأ والتشدد أحياناً أخرى، لكن عذره عذر المجتهد الذي قد يخطئ وقد يصيب شرط إخلاص النية لله عز وجل.
3- وهذا المفهوم نابع عن فقهٍ بالذات الحضارية والواقع المعيش وعن إحساس متجذر بالمسؤولية عن الأعمال الدنيوية والجزاء الأخروي، وموجه بوعي بأحكام الإسلام ومبادئه ومقوماته ومقاصده، بغض النظر عن تفاوت هذا الوعي بين السطحية والعمق، ينتج عنه استخدام المرأة للفكر والعقل، ولو بشكل نسبي، والأخذ بأحكام الشريعة ومحاولة تطبيقها باعتبارها كلاً واحداً لا يتجزأ، وفي أغلب الأحيان تكون ممارساتها الحياتية متزنة، تقوم على أسس صلبة، رغم الإحساس بالغربة.
لكن في بعض الأحيان، قد ينتج عن سوء فهم المقاصد التشريعية والتشدد في مواجهة الواقع، السقوط في التصلب والتحجر وعدم سلوك أسلوب الليونة والمدافعة في اتخاذ المواقف، الأمر الذي يدفع المتعاطفين معها إلى النفور منها، والخوف من اقتحام منبع قناعاتها، خشية السقوط معها في جب الضيق والتحجر، وهذا لا شك يضر بمبدأ الوسطية التي يجب أن تتمسك به، كما يجنح بها إلى تبني ممارسات بعيدة عن الإسلام وروحه.
لكن يظل هذا المفهوم أقرب إلى الفطرة السوية والمعرفة الحضارية، وأدعى إلى تبني أطروحته وتعميقها في ضوء الوعي بأحكام الدين ومبادئه وقيمه وفقه الواقع والاجتهاد فيه، لأنه يدعو ويعمل على تأصيل قضية المرأة بإرجاعها إلى القرآن والسنة. 

وانطلاقاً من هذه المفاهيم، التي تتحكم في تفكير المرأة وتوجيهها بصفة عامة، يمكن القول: بأن الأزمة التي تعاني منها هي أزمة تفكير تنسحب على واقعها.. أزمة تفكير ناتج عن الأزمة الأساس التي تعاني منها الأمة برمتها، وهي أزمة الهوية وما يسفر عنها من استلاب للشخصية واهتزازها أو محوها أحياناً، قد لا ينجو منها إلا من يتشبث بالوحي بوصفه مرجعاً رئيساً لإثبات هوية الإنسان المسلم، وبوصفه مرجعاً أولياً من مراجع المعرفة الإنسانية، لأنه يقوم على أساس متين وعميق من الصدق والموضوعية والواقعية في بناء الإنسان المتحرر من شتى العبوديات، التي تقيد عقليته وتصوراته، وتنتج مختلف أشكال التخلف والتبعية، التي تشل طاقات الأمة وتنأى بها عن مصادر القدرة على الإبداع والنهوض والتغيير.
فالوحي هو محرر العقل البشري من كافة الأوهام والخرافات، والداعي في مختلف الآيات إلى استكشاف الكون، والنظر في الآفاق، واستعمال العقل فيها. ولذلك لا يمكن أن يُقبل الوحي إلا بالعقل المتيقن من الحقيقة الإلـهية، والإيمان وإن انطـلق من القلب إلا أنه لا يصبح يقيناً ثابتاً إلا في العقل، وعبر الثقة العقلية المستندة إلى أدلة محسوسة من الواقع والكون والإنسان ومن الوحي نفسه.
فكيف لا يكون المنقذ من أزمة التفكير المنسحبة على أزمة الواقع، التي تعاني ويلاتها المرأة في المجتمعات الإسلامية، هو الوحي؟
كيف لا نثق يقيناً بأن الوحي يزخر بكنوز المعاني الدالة على التفكر والاستدلال واستعمال العقل والفكر في النفس  بالدعوة إلى القراءة
eوالكون، وهو الذي يفتتح أول اتصاله بالأرض عبـر الرسول  ((ٱقْرَأْ )) ؟
أليس قابليتنا لنبذ أهم دعائم وجـودنا ((ٱقْرَأْ )) في واقع حياتنا ما يدل على جهل وعقم في التفكير المؤدي إلا الانحطاط والتقهقر وكل أشكال التخلف؟
أليس الانفتاح العشوائي أسقطنا في مستنقعات لم نستطع التخلص منها؛ لأننا لم نقنن الانفتاح، ولم نعد نحدده في نهل المعرفة المسيجة بدوائر الإيمان والإخلاص والإحسان؟
إن واقع المرأة الـيوم في حاجـة، أكثر من أي وقـت مضى، إلى تجاوز أزمة التفـكير التي تقعـد به في مسـتنقعات الجهل والتقليد والتبعية والشعوذة، وترشيده بالفكر المستنير بنصوص القرآن والسنة الصحيحة حتى ينهض بدوره الأكمل، وتضع المرأة فيه أولى خطواتها نحو التدبر والتفكر والإصلاح
: (( يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاء لِمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ)) (يونس:57-58). 

من هنا يجب عدم نسيان حقيقة مهمة وهي أن الإسلام أحدث انقلاباً شـاملاً في الحياة البشرية، سـواء على مسـتوى السـلوك أو التصور، واستطاع الإنسان من خلاله أن يتحرر من عالم القيود الذي كان يكبله.
كما يجب التذكير أن هذا الانقلاب كان بمشاركة فعلية من المرأة، بل كانت، بالإضافة إلى المشاركة، سباقة إلى الخيرات كلها، منها أنها أول من ، فالسيدة خديجة رضوان الله عليها أخذت على عاتقها نصرة الدين
eآمن برسول الله  الإسلامي ومؤازرة نبي الله بكل ما تملك من قوى مادية أو معنوية، كما أن المرأة كانت «أول شهيد» في الإسلام.
وإذا تتبعنا المبادرات الإسـلامية الأولى، التي غيرت الحياة البشرية والواقع الإنساني، لا شـك أننا سوف نعثر على المرأة الواضعة لأولى لبناتها، وطبعاً لا يمكن أن يكون ذلك صدفة، وإنما لحكمة ربانية تشير إلى أهمية المسؤولية الملقاة على عاتق المرأة في كل عقود الحضارة الإسلامية.



المقالة نُشرت من الطالبة: ملاك البقيّة


إقرأ المزيد

لماذا وَصَف داروين المرأة بالحيوان المعاق المُشوه في سلم التطور؟؟




كان تشارلز داروين يؤمن بأن المرأة بيولوجيا أحط شأنا من الرجل وقام الداروينيون بالتأسيس للأمر علميا وتم تصنيف الرجل تصنيفا مستقلا عن المرأة وأُعطي الرجل تصنيف Homo frontalis وأعُطيت المرأة تصنيف Homo parietalis

يقول داروين في كتابه
أصل الإنسان ص326:- ( المرأة أدنى في المرتبة من الرجل وسلالتها تأتي في درجة أدنى بكثير من الرجل ) (1)
Darwin, The Descent of Man p. 326

وذهب داروين
أبعد من ذلك حين قال :- ( المرأة لا تصلح إلا لمهام المنزل واضفاء البهجة على البيت فالمرأة في البيت أفضل من الكلب للأسباب السابقة )(1)
Charles Darwin, The Autobiography of Charles Darwin 1809-1882,pp. 232-233

يقول المادي كارل
فوجوت أستاذ تاريخ الطبيعة بجامعة جنيف :- ( لقد أصاب داروين في استنتاجاته بخصوص المرأة وعلينا صراحة أن نعترف بالأمر فالمرأة أقرب طبيعيا للحيوان أكثر من قربها للرجل )(1)
Carl Vogt, Lectures on Manp. 192

ويقول فوجوت أيضا
:- ( المرأة بوضوح إعاقة تطورية حدثت للرجل ... وكلما زاد التقدم الحضاري كلما زادت الفجوة بين المرأة والرجل ... وبالنظر إلى تطور المرأة فالمرأة تطور غير ناضج ) (1)
Stephanie A. Shields, "Functionalism, Darwinism, and the Psychology of Women: Ap. 749
لقيت نظرية فوجوت العلمية قبولا واسعا في الأوساط العلمية
الأوربية

تقول الداروينية الشهيرة
Elaine Morgan :-( استخدم داروين تأصيلات علمية في تأكيد أن المرأة في رتبة أقل من الرجل بيولوجيا بكثير وأعطى إحساسا للرجل بأنه سيد على المرأة من منظور دارويني مجرد ) (1)
EIaine Morgan, The Descent of Woman p. 1

يقول العالم التطوري الشهير جول ديوانت
John R. Durant:- ( كان داروين يؤمن إيمانا عميقا بان مرتبة المرأة أقل بكثير من مرتبة الرجل خاصة عند الحديث عن الصراع من أجل البقاء وكان يضع البُله والمُعاقين والمتخلفين والمرأة في خانة واحدة وكان يرى أن حجم مخ المرأة وكمية العضلات بها بالقياس بتلك التي لدى الرجل لا تسمح لها أن تدخل في صراع من أجل البقاء مع الرجل بل يرى فيها نوعا من القصور البيولوجي الذي لا يمكن تداركه )(1)
John R. Durant, "The Ascent of Nature in Darwin's Descent of Man" p. 295

يقول العالم التطوري الشهير
Gustave Le Bon :- ( حجم المخ الخاص بالمرأة يكاد يطابق ذلك الخاص بالغوريلا .. المرأة تأتي في المرحلة السفلى من مراحل تطور الإنسان ... )(1)
women whose brains are closer in size to those of gorillas than to the most developed male brains

ويقول
Gustave Le Bon أيضا :- ( المرأة أقرب بيولوجيا للهمج أكثر منه للإنسان الحديث المتحضر ... لكننا نستطيع أن نستوعب المرأة كاستثناء رائع لحيوان مُشوه أتى بنتيجة على سلم التطور ) (1)
Gould, The Mismeasure of Man, p.105

ينتهي جيري بيرجامن
Jerry Bergman إلى أن تاريخ الداروينية هو تاريخ ازدراء للمرأة باعتبارها أدنى من الرجل



من منظور إلحـادي مادي دارويني
مُجرد المرأة أقرب للغوريـلا .. بقياس حجم الجمجمة يمكن إضافتها إلى البُله والمعاقين .. بقياس حجم العضلات حيوان مُشوه أتى بنتيجة على سلم التطور كاستثناء ........ هذه النظرة القاصرة والمدهشة من الملحد للمرأة لا يمكن استيعابها إلا في إطار مادي إلحـادي عقيم

وهكذا عندما يختفي الإله من العالم فحتما سيتحول إلى
كون مُظلم موحش صامت مُخيف تحكمه مادية لا تعرف الرحمة ولا الشفقة .. ونسي هؤلاء أن المرأة كائن مُقدس وُضعت الجنة تحت أقدامها فهي عُش الرجل ومُعلمه الأول وهي ميثاقه الغليظ ورباطه المُقدس هي تاجه وشرفه وبرضاها يدخل الجنة وبحُنوها يمتليء البيت بهجة.




 المقالة نُشرت من الطالبة: ملاك البقيّة
إقرأ المزيد

موقف الشريعة الإسلامية من قضية المساواة بين الرجل والمرأة




الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين وأصحابه الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

1- لقد
صاحب هيمنة الحضارة المعاصرة ذات البعد الغربي فكرياً وثقافياً وسلوكياً محاولات عديدة للسعي إلى تسويق قيم تلك الحضارة من خلال ترويج فكرة العالمية - خاصة في جانبها الاجتماعي والسلوكي - وقد قامت هيئة الأمم المتحدة بأنشطة متعددة في هذا المجال، وذلك بعقد الندوات والمؤتمرات العالمية واستصدار الوثائق حيال العديد من القضايا الاجتماعية المتعددة.

 2- وكان من أهم القضايا المطروحة في المؤتمرات والمواثيق المشار إليها قضايا المرأة والأسرة، باعتبارها من القضايا التي تثار في كل المؤتمرات المذكورة سلفاً، وتكاد تكون القاسم المشترك بينها جميـعاً، الأمر الذي يجعل هذه المؤتمرات من محطات النقاش والاختلاف بين الفكر الغربي والتصور الإسلامي فيما يتعلق بهذه القضايا.

3-
والحق أن كثيراً من القضايا التي تناولتها تلك المؤتمرات هي من الموضوعات التي يتفق فيها الشرع الإسلامي مع الشرائع السابقة وما وصل إليه الضمير الغربي المتحضر، سواء كان هذا الاتفاق بتأييد مقررات تلك المؤتمرات أم برفضها.

وتبقى
قضايا أخرى يرفضها الإسلام ويأباها، بينما يرى الغرب في تأييدها ضرورة، ومن ثم يظهر التباين بين رؤية الإسلام وبين الفكر الغربي فيما يتعلق بهذه القضايا ونرى أن هذا التباينغالباًما ينشأ نتيجة اختلاف الفهم لقضية المساواة بين الرجل والمرأة.


الفصل
الأول: مساواة المرأة بالرجل
المبحث
الأول
قضية
المساواة عند الغرب ودوافعها

4-
كان الرومان يعتبرون أنفسهم أوصياء على الإنسانية كلها، وقد بسطوا سلطانهم بحد السيف على الكثير من شعوب الدنيا، واستعملوا في سبيل ذلك كل الوسائل التي توصلهم إلى ما يبتغونه، سواء أكانت هذه الوسائل شريفة أم حقيرة، واستطاعوا في النهاية أن يسيطروا على معظم أجزاء العالم معتبرين أنفسهم سادته.

ولم
تكن قوانينهم ونظمهم تساوي بين الرومان وغيرهم من سائر الشعوب التي يتحكمون في مصائرها، وإنما يعتبرون غير الروماني من طبقة أدنى من طبقة الرومان ليس له الحقوق التي يتمتع بها هؤلاء، وإنما قد خلق ليكون رقيقاً يخدم فقط وليس من حقه التطلع إلى ما وراء ذلك.

ولذلك
فإنهم انطلاقاً من هذا المعتقد وضعوا نوعين متباينين من القوانين، أحدهما: القانون المدني، وهو خاص بالشعب الروماني نفسه، وثانيهما: قانون الشعوب، وهو خاص بسكان البلاد التي احتلها الرومان.

5- وهذه
التفرقة كما كانت بين الشعب الروماني وغيره، كانت كذلك بين الرجال والنساء، وانعكست بدورها على وضع المرأة، ففي غضون القرون التي كانت فيها دول المدن اليونانية على جانب عظيم من رفعة الشأن، كانت النساء في هذه الدولة يقمن بأدوار تافهة وضيعة، ولئن تمتعن بحق الحياة فما ذلك إلا لأنه لم يكن عنهن غنى، وكان الرجال يجدون فيهن المتعة والتسلية .

وكان
بعض الفلاسفة ينظرون إلى المرأة على أنها كائن ناقص، مسلوب الإرادة، ضعيف الشخصية، وذهبوا في ذلك إلى حد القول بأنه يجب أن يبقى النساء الرشيدات تحت الوصاية لخفة عقولهن.

وقد
جرد القانون الروماني المرأة من معظم حقوقها المدنية في مختلف مراحل حياتها، فلم تكن لها أهلية أو شخصية قانونية، وقد كان القانون يعتبر (الأنوثة)سبباً من أسباب انعدام الأهلية - كحداثة السن والجنون، فقبل زواجها تكون تحت سيطرة رئيس الأسرة - أبيها أو جدها - وتعطيه هذه السيطرة كافة الحقوق عليها، كحق إخراجها من الأسرة، وبيعها بيع الرقيق، وحتى حق الحياة والموت، وبعد زواجها تنقطع علاقتها انقطاعاً تاماً بأسرتها القديمة ويحل زوجها محل أبيها أو جدّها، ويسمى هذا الزواج (زواج السيادة)، وقد بلغ من سيادة زوجها عليها أنها كانت تحال إليه إذا اتهمت بجريمة ليحاكمها ويتولى معاقبتها بنفسه، وكان له أن يحكم عليها بالإعدام في بعض التهم كالخيانة مثلاً، وكان إذا توفي عنها زوجها دخلت في وصاية أبنائها الذكور، أو إخوة زوجها أو أعمامه .

6- ثم
أخذت نظرية الرومان في النساء تتبدل برقيهم في المدنية والحضارة، وما زال هذا التبدل يطرأ على نظمهم وقوانينهم المتعلقة بالأسرة وعقد الزواج والطلاق، فانعكست الحال رأساً على عقب، فلم يبق لعقد الزواج عندهم معنى، ومنحت المرأة جميع حقوق الإرث والملك، وجعلها القانون حرة طليقة لا سلطة عليها للأب ولا للزوج، ثم سهلوا من أمر الطلاق حتى جعلوه شيئاً عادياً يلجأ إليه لأي سبب.

ثم
بدأت تتغير نظرتهم إلى العلاقات والروابط القائمة بين الرجل والمرأة من غير عقد مشروع، وقد بلغ بهم التطرف في آخر الأمر أن جعل كبار علماء الأخلاق منهم يعدون الزنا شيئاً عادياً.

7-
أما في المسيحية، فكانت النظرة السائدة قديماً أن المرأة تحمل وزر الخروج من الجنة، ومنها انبجست عيون المصائب الإنسانية جمعاء، فبحسبها ندامة وخجلاً أنها امرأة، وينبغي أن تستحي من حسنها وجمالها ؛ لأنها سلاح إبليس الذي لا يوازيه سلاح من أسلحته المتنوعة، وعليها أن تكفِّر ولا تنقطع عن أداء الكفارة أبدا، لأنها هي التي قد أتت بما أتت به من الرزء والشقاء للأرض وأهلها.

وكان
من غلو رجال الكنيسة في العصور الوسطى، أنهم جعلوا من موضوعاتهم التي يتدارسونها:
هل
للمرأة أن تعبد الله كما يعبده الرجل؟
هل
تدخل الجنة وملكوت الآخرة؟
هل
هي إنسان له روح ينعم بالخلود، أم نسمة فانية لا خلود لها ؟


وفي
القرن الخامس الميلادي، اجتمع مجمع (ماكون)للبحث في مسألة: (هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه، أم لها روح؟ )، وقد قرروا أنها خلو من الروح الناجية من عذاب جهنم، وفي عام 586 مقبيل بعثة النبي الخاتم - عقد الفرنسيون مؤتمراً لبحث ما إذا كانت المرأة إنساناً أم غير إنسان ؟ فتوصلوا إلى أنها إنسان، خلقت لخدمة الرجل فحسب.

8- كما
أن المرأة جعلت تحت سلطة الرجل الكاملة من الوجهة الاقتصادية، فأصبحت حقوقها في الإرث محدودة، وأما حقوقها في الملكية فكانت قليلة، ولم يكن لها حق فيما تكسبه بيدها، بل كان كل ما عندها ولها ملكاً لزوجها .

9- هنا
... كان من حق الغرب أن ينتفض لمثل ما ذكرناه، وأن ينادى بمساواة المرأة للرجل في الحقوق والواجبات، بعد أن نادى بمساواة الإنسان بالإنسان دون تفرقة بسبب اللون أو العرق.

وأول
ذكر للمساواة عند الغرب، كان من خلال إعلان الاستقلال الأمريكي (عام 1776م)حيث أشير فيه إلى مبدأ المساواة بين الناس، بجانب ذكر بعض الحقوق كحق الحياة وحق الحرية، ثم صدر بعد ذلك إعلان الدستور الأمريكي (عام 1787م)، وتعرض فيه لبعض الحقوق الإنسانية ومنها إيجاب المساواة.

وأما
المناداة بالمساواة كنظام وتشريع، فقد ظهرت مع الثورة الفرنسية ومناداة كتاب الثورة بذلك، أمثال: جان جاك روسو، ومونتسكيو.... وغيرهم، وصدرت (عام 1789م )وثيقة حقوق الإنسان والمواطن، وبدأت الوثيقة بعبارة (يولد الناس أحراراً ومتساوين في الحقوق )حيث تضمنت تقرير المساواة، وقد حرص الفرنسيون على هذا الإعلان ووضعوه في مقدمة الدستور الفرنسي الصادر عام 1791م، ويتكون هذا الإعلان من (17)مادة، حيث تضمنت المادة الأولى حق الحرية والمساواة، كما أكدت المادة السابعة منه على حق المساواة أمام القانون، والمساواة في الحصول على الوظائف.

أما
ميثاق الأمم المتحدة فقد جاء في مقدمته التأكيد على الحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية .

وقد
نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق المساواة وأن الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بالإعلان العالمي، فجاء في ديباجة هذا الإعلان: (إن الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية، والعدل والسلام في العالم )، والمادة الأولى من هذا الإعلان العالمي نصها:
(يولد
الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء )


كما
صدر عن الأمم المتحدة إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام (1963م)، يتناول المساواة بين البشر دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، وحق كل إنسان في المساواة أمام القانون، وفي الأمن على شخصه وحماية الدولة له، كما أن لكل إنسان يتعرض في حقوقه وحرياته الأساسية لأي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل العرقي حق التظلم من ذلك.

10-
ونلاحظ في الوثائق التي أشرنا إليها أن هناك اهتماماً كبيراً بقضية المساواة يتناسب مع ما كانت تعانيه المرأة في الغرب من الإهمال والتمييز في المعاملة والحقوق وفي سائر أمور الحياة، الأمر الذي جعلها تنص على المساواة التامة بينهما في جميع ميادين ومجـالات الحيـاة المختلفة، في الحقوق والواجبات والالتزامات والمسؤوليات دون استثناء أو مراعاة للاختلافات في تكوين المرأة وفطرتها وطبيعتها.

11-
 كما نلاحظ أن التقنينات الغربية وقد حاولت أن تتخلص من آثار نظرة العصور القديمة والوسطى للمرأة، إلا أنه لا يزال بها بقايا تأثر بنظرة القانون الروماني للمرأة وقد كانت المادة الثانية عشرةمثلاًمن القانون المدني الفرنسي تجعل الزواج سبباً في سلب أهلية الزوجة في التقاضي وفي التصرفات المالية، إلا إذا حصلت على تصريح كتابي من زوجها، ولم تلغ هذه الوصاية إلا بعد إصلاح تشريعي سنة 1938م ، وبعض الدولكبلجيكاربطت ذلك بإرادة الزوج، فإن شاء أعطى زوجته صكاً عاماً دائماً، أو لمدة محدودة، بموجبه تملك التصرف في بعض أموالها أو فيها كلها، وللزوج سحب هذا التصريح متى شاء، مما يجعل الزوجة في حكم الصغير الذي يتوقف نفاذ تصرفه على موافقة الولي أو الوصي .

• • • • •
المبحث
الثاني
موقف
الإسلام من قضية المساواة بين الرجل والمرأة
12-
يعتبر البعض قضية المساواة بين المرأة والرجل وركيزة ومدخلاً في توجيه اللمز والانتقاص لتشريعات الإسلام، باعتبار أحكامه الخاصة بالمرأة تمثل أنماطاً تقليدية يجب نبذها وتجاوزها، وهو ما يتردد في العديد من المؤتمرات الدولية، بحيث يصبح الصوت الإسلامي في هذه المؤتمرات يمثل للبعض ردة حضارية.

في
حين أن بعض صور المساواة بين المرأة والرجل، التي تنادي بها هذه المؤتمرات، كتكريم المرأة، والتأكيد على حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية...وغيرها، قد سبق الإسلام بمئات السنين ليس بمجرد إعلانها فقط، وإنما بتطبيقها تطبيقاً عملياً تفخر به البشرية.

فالإسلام
أعطى الإنسان الحرية، وقيدها بالفضيلة حتى لا ينحرف، وبالعدل حتى لا يجور، وبالحق حتى لا ينزلق مع الهوى، وبالخير والإيثار، حتى لا تستبد به الأنانية وبالبعد عن الضرر، حتى لا تستشري فيه غرائز الشر .

13- والمرأة
في ميزان الإسلام كالرجل، فرض الله عليها القيام بالتكاليف الشرعية وهي تحمد إذا استجابت لأمر الله، وتذم إن تنكبت الصراط السوي، كما قال عز وجل ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب.

14- وقد
كانت المرأة في المجتمع الجاهلي العربي قبل الإسلام محرومة من كثير من حقوقها، وعرضة للظلم والضيم تؤكل حقوقها وتبتز أموالها، وتحرم الإرث، وتعضل بعد الطلاق - أو وفاة الزوج - من أن تنكح زوجاً ترضاه، فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بالمعروف.

وكانت
تورث كما يورث المتاع أو الدابة، فقال الله عز وجل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا .

وكانت
تمسك ضراراً للاعتداء والإيذاء، فقال الله تعالى ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ.

وكانت
تلاقي من بعلها نشوزاً و إعراضاً، وتترك في بعض الأحيان كالمعلقة، فقال تعالى ﴿ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا.

كما
كان كثير من العرب يتشاءمون بميلاد الأنثى، كما حكى الله عنهم في قوله جل شأنه ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فـِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ.

15- فجاء
الإسلام ليهدم ذلك كله، ويقرر أن النساء شقائق الرجال، ويقرر المساواة بينهما في أصل الخلق وفي نسبتهما البشرية، فليس لأحدهما من مقومات الإنسانية أكثر مما للآخر، ولا فضل لأحدهما على الآخر بسبب عنصره الإنساني وخلقه الأول، فالناس جميعاً ينحدرون من أب واحد وأم واحدة، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾، ويقرر الإسلام أن جنس الرجال وجنس النساء من جوهر واحد وعنصر واحد هو التراب، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ﴾، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ... ﴾، وهذه النفس الواحدة كانت كفيلة لو أدركتها البشرية أن توفر عليها تلك الأخطار الأليمة التي تردت إليها، وهي تتصور في المرأة شتى التصورات السخيفة وتراها منبع الرجس والنجاسة وأصل الشر والبلاء، وهي من النفس الأولى فطرة وطبعاً، خلقهـا الله لتكون لها زوجاً، وليبث منهما رجالاً ونساء، فلا فارق في الأصل والفطرة، إنما الفارق في الاستعداد والوظيفة .

فقد
سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضاً من الرجل، فكلاهما يكمل الآخر، ولا يستقيم أمر الدنيا إلا بهذه الطبيعة المزدوجة، وهذا التداخل الوثيق.

16- والمرأة
كالرجل كذلك من حيث أصل التكاليف الشرعية، ومن حيث الثواب والعقاب والجزاء على العمل في الدنيا والآخرة، قال تعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

وقال
عز وجل ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ.

وقال
سبحانه ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾، وقالعز من قائل﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.

والمرأة
مشمولة بالنصوص الآمرة بأداء فرائض الإسلام وأركانه، كالأمر بأداء الصلاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله تعالى، وهي مشمولة كذلك بالنصوص الناهية، كالنهي عن الزنى والسرقة، فهي أمام تقف نفس موقف الرجل أمام تعاليم الإسلام ، قال تعالى ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِيـنَ وَالصَّادِقَـاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا.

أما
في جانب المسؤولية عن المجتمع واستقامته، فنجد أن الإسلام قد جعل من المرأة قرينة للرجل، ففي جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطاعة لله ولرسوله، يجعل الإسلام المسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة، قال تعالى ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

17- وقد
سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنية بمختلف أنواعها، لا فرق في ذلك بين وضعها قبل الزواج وبعده.

فقبل
الزواج يكون للمرأة شخصيتها المدنية المستقلة عن شخصية ولي أمرها، فإن كانت بالغة يحق لها أن تتعاقد وتتحمل الالتزامات، وتملك العقار والمنقول، وتتصرف فيما تملك، ولا يحق لوليها أن يتصرف في أملاكها إلا بإذنها، كما يحق لها أن توكل وأن تفسخ الوكالة، فالإسلام جعل للمرأة الحق في مباشرة العقود المدنية من بيع وشراء، وأباح لها أن تضمن غيرها، وأن يضمنها غيرها -على نحو ما أبيح للرجال في كل هذه التصرفات، ولا نعلم أحداً من فقهاء الإسلام رأى أن النصوص الواردة في التصرفات المالية خاصة بالرجل دون المرأة .

18- وبعد
الزواج يكون للمرأة شخصيتها المدنية الكاملة، فلا تفقد اسمها ولا أهليتها في التعاقد، ولا حقها في التملك، فتحتفظ باسمها واسم أسرتها، وبكامل حقوقها المدنية، وبأهليتها في تحمل الالتزامات، وإجراء مختلف العقود من بيع وشراء ورهن وهبة ووصية وما إلى ذلك، محتفظة بحقها في التملك تملكاً مستقلاً عن غيرها فللمرأة المتزوجة في الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة وثروتها الخاصة وذمتها المالية وهي في هذا كله مستقلة عن شخصية زوجها وثروته وذمته.

19- أما
الحقوق العامة فقد ساوى الإسلام فيها أيضاً بين الرجل والمرأة، فجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وكان على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم مسؤولية في أمر التعلم والتعليم ونقل العلم الشرعي لأفراد الأمة، قال تعالى مخاطباً لهن ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا.

ولا
يزال التاريخ الإسلامي حافلاً بنماذج مشرقة من نساء المؤمنين ممن أصبحن عالمات معلمات للخير على مر العصور الإسلامية.

وكذلك
حق العمل، فقد سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق العمل، فأباح للمرأة أن تضطلع بالوظائف والأعمال المشروعة التي تحسن أداءها ولا تتنافى مع طبيعتها.

ولم
يقيد هذا الحق إلا بما يحفظ للمرأة كرامتها، وينأى بها عن كل ما يتنافى مع الخلق الكريم، فاشترط أن تؤدي عملها في وقار وحشمة، وفي صورة بعيدة عن مظان الفتنة، وألا يكون من شأن هذا العمل أن يؤدي إلى ضرر اجتماعي أو خلقي أو يعوقها عن أداء واجباتها الأخرى نحو زوجها وأولادها وبيتها أو يكلفها ما لا طاقة لها به وألا تخرج في زينتها، وأن تستر أعضاء جسمها، ولا تختلط بالرجال،ولا تخلو برجل- غير محرم لها- بسبب أدائها لعملها .

20- وقد
خفض الإسلام للمرأة جناح الرحمة والرعاية في أمر الأعباء المالية، فكفل لها من أسباب الرزق ما يصونها عن التبذل، ويحميها من عناء الكدح في الحياة فأعفاها من كافة أعباء المعيشة، وألقاها على كاهل الرجل.

فما
دامت المرأة غير متزوجة فنفقتها واجبة على أصولها أو أقاربها الوارثين لها، فإن لم يكن لها قريب قادر على الإنفاق عليها، فنفقتها واجبة على بيت المال.

وأما
في مرحلة الزواج، فقد أعفيت المرأة من أعباء المعيشة ويلزم الزوج نفقتها، دون أن تكلف أي عبء في نفقات الأسرة مهما كانت موسرة.

وإذا
انفصمت عرى الزوجية يتحمل الزوج وحده جميع الآثار المالية الناتجة عن ذلك فعليه مؤخر صداق زوجته، وعليه نفقتها مادامت في العدة، وعليه نفقة أولاده وأجور حضانتهم ورضاعتهم، وعليه نفقات تربيتهم بعد ذلك.
• • • •

بقلم

د
. سامح عبدالسلام محمد


 المقالة نُشرت من الطالبة: ملاك البقيّة
إقرأ المزيد